الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.إرسال الرياح لواقح في منظور العلوم المكتسبة: تعرف الرياح بأنها الهواء المتحرك بالنسبة لبقية الغلاف الغازي المحيط بالأرض؛ وهذا الغلاف الغازي أخرجه الله تعالى أصلا من داخل الأرض ولا يزال يخرجه عبر فوهات البراكين في أثناء ثوراتها، وعندما أخرج هذا الغاز اختلط بالدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم، وعن التفاعلات النووية داخل النجوم، وعن انفجار بعض الأجرام السماوية فتكون الغلاف الغازي للأرض من خليط بعضه من الأرض والبعض الآخر من السماء ولذلك يصفه القرآن الكريم بالبينية التي يقول فيها: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [الحجر:85].وقد ذكر هذه البينية الفاصلة بين السماوات والأرض في إحدي وعشرين آية قرآنية،وأكد تعريفها قول الحق تبارك وتعالى: {وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} [البقرة:164].والغلاف الغازي للأرض يمتد إلي عدة آلاف من الكيلو مترات في السمك وتقدر كتلته بنحو ستة آلاف مليون مليون طن، ولكن بما أن 99% من كتلته تقع دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر أي دون مستوي الركود الطبقي المعروف في اللغة الإنجليزية باسم Stratopauseفإن دراسة حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض.وتقسم الرياح علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر إلي ثلاثة مستويات علي النحو التالي:(1) الرياح السطحية: تمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلو مترات قليلة فوقه، وهي من أهم العوامل في تشكيل سطح الأرض حيث تباشر عملية تآكل صخور ورسوبيات وتربة سطح الأرض، وتوزيعها حيثما وجدت تلك المواد غير مغطاة بوقاء من النبات أو غيره فهي من أقوي عوامل التعرية خاصة في الصحاري والقفار، وتأتي في المقام الثاني بعد الماء في أشكاله المختلفة كعامل رئيسي من عوامل تعرية الأرض.والرياح السطحية إذ تعصف علي سطح الصحاري تحمل معها كميات كبيرة من فتات الصخور السائبة والمفروطة لآلاف الكيلو مترات في الاتجاه الأفقي، وترتفع ببعضها من الدقائق الناعمة ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات.كذلك فإن حركة هذه الرياح السطحية تضبط الظروف المناخية، وذلك بتوزيع درجات كل من الحرارة والرطوبة علي سطح الأرض، وهذه تلعب دورا مهما في توزيع مناطق الضغط المرتفع والمنخفض علي سطح الأرض، ومن ثم حركة الرياح.هذا بالإضافة إلي أن تكثف الرطوبة في الهواء يؤدي إلي تكون السحاب، وانتشار نوي التكثف في السحاب يعين علي نمو قطيرات الماء المتكثفة إلي أحجام تفوق قدرة حمل الهواء لها فتسقط بإذن الله تعالى مطرا، أو بردا، أو ثلجا، وهذه كلها تلعب دورا مهما في تجوية الصخور وتفتيتها، وفي غمار ذلك كله لا يمكن نسيان دور الرياح في إثارة الأمواج البحرية وتياراتها، وأثر ذلك في تآكل الصخور علي طول الشواطئ البحرية، وفي استقبال ما يصل البحر من رواسب البر.ودور الرياح السطحية في نقل ما تفكك وانفرط من الغطاء الصخري المكون لأديم الأرض كالرمل والغرين والغبار، والتحرك به إلي مسافات بعيدة وإلي ارتفاعات شاهقة ثابت علميا، ويبلغ ذلك مداه إذا ما تناهت الحبيبات دقة، وجفت وتعرت أي لم يكن يحميها غطاء من نبات أو غيره، وتتوقف المسافة التي يحمل إليها هذا الفتات أفقيا ورأسيا علي تضاريس موضعه الأصلي، وحجم ووزن حبيباته، وقوة الريح وعدد ساعات هبوبها، واستمرارية ذلك.والمواد المنقولة بواسطة الرياح إما أن تحمل معلقة بين طبقات الهواء إذا كانت خفيفة، وإما أن تدفعها الرياح علي سطح الأرض، وهي في انتقالها هذا يسبق خفيفها ثقيلها في الانتقال، وبذلك تصنف مكوناتها، وقد تتراكم في مجموعات علي أساس من كتلها وأحجامها، وكثافتها، وربما تركيبها المعدني.وفي مقدور الرياح السطحية أن تحمل الغبار مرتفعة به ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات فوق كل من اليابسة والمساحات الشاسعة من الماء، خاصة في المناطق الجافة الدافئة حيث يسخن الهواء بملامسته سطح الأرض فيتمدد، وتقل كثافته حتي يرتفع إلي أعلي علي هيئة أعاصير Whirls، ودوارات Eddies حاملا معه دقائق الغبار في أعمدة طويلة تتحرك عبر السهول والوديان.وكثيرا ما تشاهد عواصف الغبار وهي تظلم السماء في وضح النهار؛ وتحيل الهواء إلي هبوب خانق، وتحمل كميات هائلة من هذا الغبار إلي مسافات بعيدة، ويشاهد ذلك علي وجه الخصوص في المساحات الصحراوية الجافة مثل الصحراء الكبري التي كثيرا ما تحمل عواصفها الغبار الأحمر لتسقطه علي بعد مئات من الكيلو مترات شمالا في كل من جزر الكناري، وإيطاليا وألمانيا، والمساحات المائية التي مرت بها، والبواخر العابرة فيها.وتتسبب عمليات تذرية الرياح للتربة في خفض مستوي سطح الأرض بصفة عامة لعدة عشرات من الملليمترات في كل قرن من الزمان، وفي بعض الحالات الاستثنائية يمكن أن يزال إلي عمق متر كامل من التربة الناعمة من مثل التربة الصلصالية والغرينية الجافة في سنوات قليلة، وقد يتسبب ذلك في تكوين حفر أرضية يتراوح عمقها بين 50,30 مترا، وتصل مساحتها إلي عدة كيلو مترات مربعة.ومن نتائج تعرية الرياح للصخور وتذرية ما تفكك منها تكون السهول الواسعة، والأحواض المنخفضة خاصة في المناطق المكونة من صخور رخوة كالصلصال والطفال؛ التي تستمر فيها عمليات التعرية حتي تنتهي عند مستوي الماء تحت سطح الأرض فيتوقف عمل الرياح لأنها لا تقوي علي حمل الفتات الصخري الرطب.وقد هبت عاصفة هوائية لمدة أربع وعشرين ساعة علي أحد الأودية في كاليفورنيا SanJoaguinValley وذلك في 19/12 م كانت سرعتها في حدود 300 كيلو متر في الساعة، ويقدر ما حملته من غبار التربة العلوية في مساحة قدرها ألفان من الكيلو مترات المربعة بنحو مائة مليون طن.والدقائق الخفيفة من الغريق والصلصال (أقل من..15 من الملليمتر) وهباءات الرماد الناتج عن الحرائق، وبعض حبوب اللقاح الدقيقة، وفتات دقيق جدا من بعض حطام النباتات، وبلورات متناهية الصغر في الحجم من أملاح البحر والمحيطات حملتها الأبخرة المتصاعدة منها، ودقائق من الرماد البركاني، وبعض الأبخرة والمواد المتطايرة، وحتي بعض البكتيريا الدقيقة، وبعض المركبات الكيميائية المتعددة، كل ذلك إذا انتشر في جسم السحابة شكل نوي للتكثف يعين بخار الماء الموجود في السحابة علي مزيد من التكثف فوق قطيرات الماء أو بللورات الثلج المتكونة داخل السحابة، حتي تصل كتلة قطرات الماء إلي الحد الذي لا يقوي الهواء علي حملها فتسقط بإرادة الله تعالى حيث يشاء مطرا أو بردا أو ثلجا أو خليطا من كل ذلك، ومن هنا كان دور الرياح في تلقيح السحاب بنوي التكثف المختلفة.ومن سنن الله تعالى المتحكمة في حركات الرياح السطحية الجاذبية الأرضية، وقدر الاحتكاك بتضاريس سطح الأرض، وتدرج معدلات الضغط الجوي وهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بتوزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض.وتظل هذه العوامل سائدة حتي ارتفاع 65 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر حيث تبدأ عوامل أخري في التحكم بحركة الرياح.وأعلي سرعة للرياح السطحية تحدث عند حدود نطاق الرجع TheStratopause الذي يتراوح سمكه من 7- 16 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر.(2) الرياح المتوسطة: وتمتد من فوق الرياح السطحية أي من فوق الحدود العليا لنطاق الرجع إلي مستوي 35 كيلو مترا فوق سطح البحر وهنا تستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية، وقد تتدخل بعض العوامل الأخري وأهمها خلخلة الهواء.(3) الرياح المرتفعة: وتمتد في المستوي من 35 كم إلي 65 كم فوق مستوي سطح البحر، وتستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية مع تدخل عدد من العوامل الأخري وأهمها قلة الضغط، والجفاف الشديد.أما فوق مستوي 65 كيلو مترا من سطح البحر فتبدأ سنن إلهية جديدة في التحكم بحركة الرياح وأهمها الكهربية الجوية، والمغناطيسية، وعمليات المد والجزر الهوائيين.من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن تصريف الرياح بمشيئة الله تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة، وأن إرسال الرياح بنوي التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب علي التكثف كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب علي مزيد من النمو حتي تصل إلي الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطرا أو ثلجا أو بردا بإذن الله، كما أن الرياح تدفع بهذه المزن الممطرة بإذن الله تعالى إلي حيث يشاء،وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في أوائل القرن العشرين، وورودها في كتاب الله بهذه الدقة والوضوح والكمال العلمي مما يقطع بأن مصدرها الرئيسي هو الله الخالق، ويجزم بأن القرآن الكريم هو كلامه سبحانه وتعالى، كما يجزم بالنبوة والرسالة لهذا النبي الخاتم الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فلم يكن لأحد من الخلق أدني إلمام بدور الرياح في حمل دقائق المادة إلي السحاب حتي تعين علي تكثف هذا البخار فينزل بإرادة الله مطرا في زمن تنزل الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده فسبحان منزل القرآن الذي أنزل فيه قوله الحق: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} [الحجر:22].وذلك لأن خزن الماء في الأرض هو أيضا من آيات الله الكبري التي أعدها إعدادا ينطق بطلاقة القدرة الإلهية وعظيم الحكمة الربانية، وقد تعرضنا لذلك في مقال سابق، ولا أري ضرورة لإعادة شرحه هنا مرة أخري.كذلك فقد كررنا مرارا أنه لولا دورة الماء حول الأرض لأسن هذا الماء وتعفن لأن بلايين الكائنات الحية تحيا وتموت فيه في كل لحظة، ولهذا يمن علينا ربنا تبارك وتعالى بقوله: {فأسقيناكموه} فتبارك الذي أنزل القرآن العظيم {أنزله بعلمه} وصلى الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم الذي تلقاه والحمد لله رب العالمين. اهـ..تفسير الآيات (23- 25): قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}..مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:فلما تقرر تفصيل الخبر عما هو سبب للاحياء في الجملة، فتهيأت النفس للانتقال منه إلى الإحياء الحقيقي قياسًا، قال تعالى: {وإنا لنحن نحيي} أي لنا هذه الصفة على وجه العظمة، فنحيي بها ما نشاء من الحيوان بروح البدن، ومن الروح بالمعارف، ومن النبات بالنمو، وإن كان أحدها حقيقة، والآخران مجاز إلا أن الجمع بينهما جائز {ونميت} أي لنا هذه الصفة، فنبرز بها من عظمتنا ما نشاء {ونحن الوارثون} أي الإرث التام إذا مات الخلائق، الباقون بعد كل شيء كما كنا ولا شيء، ليس لأحد فينا تصرف بإماتة ولا إحياء، فثبت بذلك الوحدانية والفعل بالاختيار، فلما ثبت بهذا كمال قدرته، وكانت آثار القدرة لا تكون محكمة إلا بالعلم، قال تعالى: {ولقد علمنا} أي بما لنا من الإحاطة المعجزة {المستقدمين منكم} وهم من قضينا بموته أولًا، فيكون في موته كأنه يسارع إلى التقدم وإن كان هو وكل من أهله مجتهدًا بالعلاج في تأخيره {ولقد علمنا} بعظمتنا {المستأخرين} أي الذين نمد في أعمارهم فنؤخر موتهم حتى يكونوا كأنهم يسابقون إلى ذلك وإن عالجوا الموت بشرب سم وغيره، أو عالجه لهم غيرهم بضربهم بالسيف أو غيره، فعرف بذلك قطعًا أن الفاعل واحد مختار، وكذا كل متقدم ومتأخر في وصف من الأوصاف غير الموت، والمعنى على الأول: فنحن لا نميت أحدًا قبل أجله فلا تستعجلونا بالوعيد وتهيؤوا لدفاعه إن كنتم رجالًا، فإنه لابد أن يأتي لأنه لا يبدل القول لديّ.ولما تم الدليل على تمام القدرة وشمول العلم، ثبت قطعًا إحياء الموتى لانتفاء المانع من جهة القدرة، واقتضاء الحكمة له من جهة العلم للعدل بين العباد بالمقابلة على الصلاح والفساد، فقال تعالى مؤكدًا لإنكارهم: {وإن ربك} أي المحسن إليك بالانتقام لك ممن يعاديك، وإقرار عينك من مخالفيك {هو} أي وحده {يحشرهم} أي يجمعهم إلى أرض القيامة بعد إعادتهم؛ قال الرماني: وأصله جمع الحيوان إلى مكان؛ ثم علل ذلك فقال مؤكدًا لأجل اعتقادهم ما يستلزم الإنكار: {إنه حكيم} أي يفعل الأشياء في أتم مواضعها بحيث لا يقدر أحد على نقضها {عليم} بالغ العلم فلا يخفى عليه شيء، وهو يريد أن ترى حكمته بكشف الغطاء عند تمييز أهل السعادة والشقاء؛ والحكمة: العلم الذي يصرف عما لا ينبغي، وأصلها المنع. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}اعلم أن هذا هو النوع السادس من دلائل التوحيد وهو الاستدلال بحصول الإحياء والإماتة لهذه الحيوانات على وجود الإله القادر المختار.أما قوله: {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} ففيه قولان: منهم من حمله على القدر المشترك بين إحياء النبات والحيوان ومنهم من يقول: وصف النبات بالإحياء مجاز فوجب تخصيصه بإحياء الحيوان ولما ثبت بالدلائل العقلية أنه لا قدرة على خلق الحياة إلا للحق سبحانه كان حصول الحياة للحيوان دليلًا قاطعًا على وجود الإله الفاعل المختار، وقوله: {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} يفيد الحصر أي لا قدرة على الإحياء ولا على الإماتة إلا لنا، وقوله: {وَنَحْنُ الوارثون} معناه: أنه إذا مات جميع الخلائق، فحينئذ يزول ملك كل أحد عند موته، ويكون الله هو الباقي الحق المالك لكل المملوكات وحده فكان هذا شبيهًا بالإرث فكان وارثًا من هذا الوجه.وأما قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستئخرين} ففيه وجوه: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء: المستقدمين يريد أهل طاعة الله تعالى والمستأخرين يريد المتخلفين عن طاعة الله.الثاني: أراد بالمستقدمين الصف الأول من أهل الصلاة، وبالمستأخرين الصف الآخر، روي أنه صلى الله عليه وسلم رغب في الصف الأول في الصلاة، فازدحم الناس عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى: أنا نجزيهم على قدر نياتهم.الثالث: قال الضحاك ومقاتل: يعني في وصف القتال.الرابع: قال ابن عباس في رواية أبي الجوزاء كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قوم يتقدمون إلى الصف الأول لئلا يروها وآخرون يتخلفون ويتأخرون ليروها وإذا ركعوا جافوا أيديهم لينظروا من تحت آباطهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.الخامس: قيل المستقدمون هم الأموات والمستأخرون هم الأحياء.وقيل المستقدمون هم الأمم السالفة، والمستأخرون هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عكرمة: المستقدمون من خلق والمستأخرون من لم يخلق.واعلم أنه تعالى لما قال: {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} أتبعه بقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستئخرين} تنبيهًا على أنه لا يخفى على الله شيء من أحوالهم فيدخل فيه علمه تعالى بتقدمهم وتأخرهم في الحدوث والوجود وبتقدمهم وتأخرهم في أنواع الطاعات والخيرات ولا ينبغي أن نخص الآية بحالة دون حالة.وأما قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} فالمراد منه التنبيه على أن الحشر والنشر والبعث والقيامة أمر واجب وقوله: {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} معناه: أن الحكمة تقتضي وجوب الحشر والنشر على ما قررناه بالدلائل الكثيرة في أول سورة يونس عليه السلام. اهـ.
|